كتب فاروق أبو سراج الذهب
تساؤلات الأمة ...هل من إجابة ؟
التجديد والتجدد.. التطوير والتطور.. التغيير والتغير.. على ما بين كل منها من فروق فهي كلها كلمات تشير إلى إحدى سنن الله في خلقه وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا الأحزاب: 62 وإذا كان التجدد، والتطور، والتغير، يشير كل منها إلى حركة ذاتية، فقد وهب المولى سبحانه وتعالى الإنسان القدرة على التدخل في مسار ونوع هذه وتلك فهذه ، مما تدل عليه الآية القرآنية الكريمة: إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ الرعد: 11)، الآية تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن من حق الإنسان، وبإمكانه أن يعيد النظر فيما يجرى من تغيير.
بل إن من سنن الله في خلقه أيضًا أن يؤدى التوقف عن التغيير والتجديد والتطوير إلى جمود، والجمود بدوره يفضى إلى تخلف، والتخلف غالبًا ما ينتج انحسارًا واضمحلالاً.
ونحن نحدد نطاق موضوعنا بالمساحة الزمنية التي بدأت بظهور الرسالة الإسلامية، حتى اليوم. ونطمئن القارئ بأن هذا الاتساع في المساحة الزمنية لن يوقعنا في سلبية التجاوز عن اختلاف الأزمنة، ومن الناحية المكانية، فإن موضوعنا يتعلق بالوطن العربي على وجه العموم، والجزائر – كدراسة حالة – على وجه الخصوص.
كذلك نصارح القارئ بأننا نسعى إلى تناول الموضوع من منظور يغلب عليه الطابع "الإسلامي"، دون ادعاء بتمثيله، وهذا مغزى تعبيرنا اللغوي"من منظور إسلامي"وليس"من المنظور الإسلامي"، إذ أن صياغتنا تسلم بالتالي أن هناك صورًا وأشكالاً أخرى للفهم والتناول استنادًا إلى هذا المنطلق العقدي، آملين ألا يحول هذا بيننا وبين الاستفادة من"رؤى"أخرى"، فالحكمة ضالة المؤمن، يطلبها أنّى وجدها، لا يبالى من أي وعاء خرجت.إن هذا المصارحة جزء مهم من الأمانة العلمية حتى يكون القارئ أو المستمع على بينة من أمره فيما يقرأ أو يسمع.
يعتبر مفهوم التجديد من أكثر المفاهيم التي تنازعتها التيارات الثقافية والفكرية المختلفة، ولم يأخذ التجديد كمصطلح شرعي حقَّه من الفهم الصحيح، بل تجاوزت به فئات من النَّاس عن المراد منه، إلى معانٍ تناقض مطلوب الشرع، وتنقضّ على ثوابت الدِّين وحقائقه بالإلغاء أو المحو أو التهوين أو التذويب أو التلاعب!
وغالبا ما يطرح "التجديد" تحت ضغط حضاري إنساني لعبور الفجوة الماثلة بين الدين الإسلامي والثقافة العالمية الراهنة وأطرها الاجتماعية وقيمها المعرفية وآلياتها الدستورية والسياسية والاقتصادية.
وغالبا ما يجنح بعض المجددين لمنطق "المقاربات"؛ حيث يماثلون بين نص الشورى القرآني والديمقراطية ، غافلين عن تعارض المنظومتين الإسلامية والغربية ومرجعيتهما "النسقية" و"المعرفية". وفي المقابل يجنح البعض إلى منطق "المقارنات"، منطلقين من "مثالية" المبادئ المكتسبة من الإسلام على نحو تميزه بعدالة إنسانية اجتماعية لا هي بالرأسمالية ولا بالاشتراكية، وتقنين وضع الفرد في إطار الجماعة بمعزل عن ليبرالية الحقوق الفردية الغربية وتبعاتها الاجتماعية والأخلاقية السالبة.
وما بين المقاربات والمقارنات فارق منهجي؛ فلكي تؤدي المقاربات فعلها فإنها مضطرة لإعادة قراءة وتأويل النصوص الدينية في القرآن والسنة والتراث، وبطرق ومداخل معرفية مختلفة، غالبا ما تمتد إلى إعمال الجوانب النقدية بتوجيه الاتهام إلى ثقافات المجتمعات الإسلامية التي فرضت نفسها على النص القرآني والنبوي وصادرته.
أما نهج المقارنات فإنه ينطلق من تأصيل الموروث -وليس زحزحته- وجعل التأصيل مرادفا للسلفية. وهكذا يتجدد في الحاضر الخلاف التاريخي في الماضي بين مدارس الرأي من جهة، والنقل من جهة أخرى، ولكن بخلاف في الخطاب والبراهين تبعا لمقتضيات العصر. وكما اتهمت معظم مدارس الرأي في الماضي أنها تتساوق مع الثقافة اليونانية ونتاجها الفلسفي العقلي، كذلك تتهم مدرسة المقاربات المعاصرة بالتساوق مع الثقافة الغربية ونتاجها الفلسفي.
غير أننا اليوم لا نريد أن نخوض كثيرا في التنظير بقدر ما نريد أن ننبه القارئ لهذا المقال ان التجديد له إرهاصات وإشعاعات تشبه في قوتها الإشعاعات النووية على اعتبار أن مسالة التجديد تسبقها حزمة من الصدمات الفكرية والنفسية تجعل أبناء الأمة حيارى منبهرين ،حيث نكثر أسئلتهم واستفهاماتهم عن الوضع الحالي للأمة ،بالضبط كما حدث في بداية القرن الماضي وكل القرون السالفة .